هل بات قضاء عطلة سعيدة أمرا مستحيلا؟ الإجابة قد تبدو للوهلة الأولى واضحة في اتجاه النفي طبعا، لكن الوقوف قليلا عند التحولات التي عرفتها الأسر بالمغرب يمنح السؤال شرعيته. هل تخطط الأسر للعطلة؟ هل تأخذ برنامجها خلال هذه العطلة على محمل الجد؟ ما هي منغصات العطلة لدى البعض؟ كيف تسرق العائلة أحيانا فرحة العطلة من الأسرة الصغيرة؟
بعض الناس يخططون لحياتهم بشكل جيد ومحكم والبعض الآخر يحياها كما اتفق. نفس الحال تحياه الأسر في تعاملها مع العطلة، ويحتاج عدد غير قليل من الأسر، إلى مجهود إضافي للتأقلم مع معطى جديد هو حلول العطلة، والسبب أن الأسرة تنسى في دوامة العمل والإعداد للامتحانات، والاستعداد للدخول المدرسي وباقي المناسبات، أن تستعد للعطلة، عدا عن كون العائلة، في كثير من الأحيان، تختار أن تبني عطلتها على حساب راحة الآخرين في صورة غير مستساغة كثيرا للتضامن العائلي، تجمع الشهادات التالية صورا متطرفة للحرمان من الراحة خلال عطلة الصيف، لكنها تقدم بدون شك حالات واقعية تحدث في قلب الكثير من العائلات...
سكني كان نقمة علي
ستجتر خديجة الذكريات فقط لتتحدث عن وضع عانت منه كثيرا، لكنه أصبح ينتمي إلى الماضي اليوم. لم يكن بمقدورها آنذاك أن تصرخ في وجه زوجها "كفى من هذه المحنة".
عطلة سعيدة صيفا، أمر يعد من قبيل المستحيلات بالنسبة لخديجة، فما أن يدنو فصل الصيف حتى تبدأ هذه الزوجة والأم لأربعة أبناء في عد الأيام قبل أن تنزل بها العاصفة، لا بل الإعصار الصيفي الذي استمر لسنوات عديدة، وعانت منه هي مثلما عانى منه أبناؤها.
تقطن خديجة في مدينة ساحلية صغيرة، عرفت بشواطئها الجميلة، ومحل السكنى هذا جر على الأسرة نقمة الصيف التعيس أو كارثة الصيف كما يحلو لأبنائها تسميتها، خاصة وأنها تحرمهم من التنقل لقضاء عطلة الصيف في إحدى المدن بعيدا عن مكان العيش، والسبب أن الضيوف يستقرون لديهم شهرا ونصف أو شهرين في أجمل فترات الصيف من كل سنة. الضيف لم يكن سوى الأخت غير الشقيقة لأبناء خديجة والتي تقطن مدينة داخلية بالمغرب، تشتد فيها معدلات الحرارة، يغيب عنها البحر ولا تستهوي أحدا. في البداية، كان حضور "الأخت" يقتصر على أسبوعين أو ثلاثة، ثم ترحل بعدها إلى بيتها، لكن الأمور لاحقا تطورت حين أنجبت هذه الأخت بنتا وأصبحت تقضي شهرين أو أكثر، خاصة أنها وزوجها يشتغلان بقطاع التعليم الذي يتمتع بأطول عطلة في نظام العطل المغربي.
مع مرور السنوات، لم تعد الأخت التي تحضر إلى بيت والدها ولا أحد بإمكانه أن يزحزحها منه، وهي بذلك لن تتركا إلا بإرادتها. وسط كل هذا التفكير الأناني، لم تكن تأبه لأسرة بأكملها، خاصة وأن والدها كان يسعى لأن يعوضها عن سنوات الصغر حين تركها لأمها تربيها لوحدها.
ليس هذا هو السبب الوحيد الذي حول عطلة الأسرة إلى قطعة من الجحيم، بل هناك أيضا طريقة عيش البنت الضيفة، والتي كانت تقلب البيت، بمعية زوجها وأبنائها، إلى موطن لـ "اللاترتيب" والفوضى سواء بالليل أو النهار.
نتفق كل سنة على ألا نتفق
كثيرا ما نردد نحن المغاربة شعار "اتفق العرب على ألا يتفقوا"، لكن هذه المرة ستردده زوجة وأم لتصف به حالتها وزوجها منذ سنوات. لقد كسرت، قبل ثلاث سنوات، اهتمامات زوجها المفاجئة بقطاع اقتصادي ينتعش صيفا، وتيرة العطلة الجميلة والسعيدة التي كانت تحياها هذه الأسرة الصغيرة: الزوجان وطفلاهما.
منذ ثلاث سنوات، تحول اهتمام زوج "لبنى" صوب مجال النقل البحري، مثلما أصبح أكثر اهتماما بالتجمعات المهنية التجارية، ولم يكن هذا التحول ليمر دون أن يترك أثره واضحا على عطلة الأسرة. استنفرت لبنى، وهي زوجة شابة في نهاية عقدها الثالث، كل قواها من أجل تغيير الوضع، حتى أنها امتنعت في بداية الصيف ما قبل الماضي عن السفر بمعية ابنيها إلى شمال المغرب، حيث الإقامة الثانوية للأسرة، لكنها عادت لتعدل عن قرارها بضغط من أطفالها. السبب الذي تمسكت به لبنى هو خشيتها من ألا تضبط حركة ابنيها (عشر وسبع سنوات) في المنتجعات الصيفية. في الواقع، لم تكن تلك إلا ذريعة اتخذتها الزوجة التي لا تعتبر أن للعطلة معنى دون زوجها.
بعد أيام من التمرد، وصلت رسالة لبنى إلى زوجها الذي اقتنع بأنه لا يمكن أن يترك العائلة لقضاء أشغاله طيلة السنة، وأن يزيد على ذلك بعدم التواجد حتى في العطلة، لأن العطلة بدونه ستكون لا محالة غير سعيدة، وقد سعد لأنه يساوي هذه القيمة الرمزية الكبيرة في عيني زوجته بالخصوص، أي أنه لا يساوي جيبا من المال أو رزمة من الإمكانات المادية التي تخول للعائلة قضاء عطلة سعيدة.
تلقت "لبنى" وعدا من زوجها بأن العطلة المقبلة ستكون سعيدة، وهي تنتظر أن يفي بوعده ويشارك العائلة فرحة عطلتها، لأن لحظات الفرح والاستجمام تحتاج إلى المشاركة لتكتسب معنى